فصل: ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام



.الأحكام الشرعية:

الحكم الأول: هل الغنيمة والفيء شيء واحد؟!
بينا فيما سبق التعريف لكلٍ من الغنيمة والفيء. وقد اختلف العلماء فيهما:
فقال بعضهم: الغنيمة ما أخذ عَنوة من الكفار في الحرب. والفيء ما أخذ عن صلح.. وهذا قول الشافعي.
وقال بعضهم: الغنيمة ما أخذ من مال منقول. والفيء هو مال غير المنقول كالأرضين والعقارات وغيرها.. وهذا قول مجاهد.
وقيل: الغنيمة والفيء بمعنى واحد. والصحيح الأول وهو ما ذهب إليه الشافعي رحمه الله.
قال القرطبي: واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: {غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ} مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر، ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بينا، ولكنْ عُرْفُ الشرع قيّد اللفظ بهذا النوع. وسمّى الشرع المال الواصل إلينا من الكفار باسمين: (غنيمة) و(فيء) فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب غنيمة ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفاً، والفيء مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف كخراج الأرضين.
الحكم الثاني: كيف يوزع الخمس بين الغانمين؟
ذكرت الآية الكريمة أن خمس الغنائم يوزع لمن سمّاهم الله عز وجل في كتابه العزيز وهم ستة (الله، الرسول، ذو القربى، اليتامى، المساكين، ابن السبيل) وسكتت عن الباقي فدل ذلك على أنه يوزع على الغانمين.
سهم الله: أما سهم الله عز وجل فقد اختلف المفسرون فيه على قولين:
أ- إنه يصرف على الكعبة لأن قوله (لله) أي لبيت الله فهو على (حذف مضاف).
ب- وقال الجمهور إن قوله (لله) استفتاح كلام يقصد به التبرك فللَّه الدنيا والآخرة وهو المالك لكل ما في السماوات والأرض فليس سبحانه بحاجة إلى سهم من هذه السهام لأنه هو الغني وإنما ذكر تبارك وتعالى اسمه ليعلمنا التبرك بذكره وافتتاح الأمور باسمه وعلى هذا الرأي يكون الخمس بين خمسة (الرسول، ذي القربى، اليتامى، المساكين، ابن السبيل).
سهم الرسول: أما سهم الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه حق له صلى الله عليه وسلم يأخذه من الغنيمة ويضعه حيث شاء لأهل بيته أو في مصالح المسلمين، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم».
وقال آخرون إن لفظ (الرسول) في الآية استفتاح كلام كما قالوا في قوله (لله) وأن الخمس يقسم على أربعة أسهم (ذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل).
سهم ذي القربى: والمراد قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد اختلف في (ذي القربى) على ثلاثة أقوال:
أ- قيل إنهم قريش جميعاً.
ب- وقيل إنهم بنو هاشم فقط.
ج- وقيل إنهم (بنو هاشم وبنو المطلب) وهذا هو الرأي الصحيح والراجح.
ومما يدل عليه ما رواه البخاري عن (مطعم بن جبير) من بني نوفل قال: مشيتُ أنا وعثمان بن عفان- من بني عبد شمس- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد، إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام» فدلّ الحديث على أن المراد بذي القربى (بنو المطلب وبنو هاشم) ويرى بعضهم أن القرابة لا يعطون إلا أن يكونوا فقراء وهذا الحكم ثابت للرسول صلى الله عليه وسلم ولذي قرباه في حياته وأما بعد وفاته يرجع إلى بيت مال المسلمين.
قال أبو حنيفة: يقسم الخمس على ثلاثة (اليتامى، والمساكين، وابن السبيل) لأنه قد ارتفع سهم الرسول صلى الله عليه وسلم بموته كما ارتفع سهم أقربائه بموته وهذا منقول عن الشافعي أيضاً. قالوا: ويبدأ من الخمس بإصلاح القناطر، وبناء المساجد، وأرزاق القضاة والجند.
ويصرف في مصالح المسلمين.
سهم اليتامى: وهذا السهم يصرف على أطفال المسلمين الذين هلك آباؤهم وهم في سن الصغر وأما بعد البلوغ فيزول عنهم وصف اليتم.
سهم المساكين: وهم أهل الفاقة والحاجة من ضعفاء المسلمين الذين لا يملكون من حطام الدنيا شيئاً ويحتاجون إلى مواساة ومساعدة.
سهم ابن السبيل: وهو الغريب الذي انقطع في سفره فإنه يعطى من الخمس حتى ولو كان غنياً في بلده. ذلك لأننا نعتبر حالته التي هو عليها الآن.
مذهب المالكية: وقد خالف المالكية هذه الأقوال المتقدمة جميعاً ورأوا أن الخمس- خمس الغنيمة- يجعل في بيت المال ينفق منه على ما ذكر في الآية وعلى غيرهم بحسب ما يراه الإمام من المصلحة وقالوا: إن ذكر هذه الأصناف في الآية الكريمة إنما هو على سبيل المثال لا على سبيل التمليك وهو من باب إطلاق (الخاص وأريد به العام).
أدلة المالكية:
وقد استدل المالكية لمذهبهم ببضعة أدلة ثبتت في المغازي والسير جعلتهم يذهبون إلى هذا الرأي وقد ذكرها ابن العربي في (أحكام القرآن) وهي:
أولاً: روي في الصحيح: «أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل نجد فأصابوا في سهمانهم اثني عشر بعيراً ونفلوا بعيراً بعيراً».
ثانياً: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في أساري بدر: «لو كان المطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له». والمراد بالنتنى (الأسرى من المشركين) والمطعم بن عدي هو الذي أجار النبي صلى الله عليه وسلم حين رجع من الطائف وهو الذي قام بنقض الصحيفة، فقال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم مكافأة له على جميلة وإحسانه.
ثالثاً: ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ سبي هوازن وفيه الخمس.
رابعاً: روي في الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال: «آثر النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين أناساً من الغنيمة فأعطى (الأقرع بن حابس) مائة من الإبل وأعطى (عيينة) مائة من الإبل، وأعطى أناساً من أشراف العرب وآثرهم يومئذٍ في القسمة فقال رجل: والله إن هذه القسمة ما عدل فيها. أو ما أريد بها وجه الله!! فقلت: والله لأخبرنّ النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته: فقال: يرحم الله أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر».
خامساً: روي في الصحيح أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمسُ والخمس مردود عليكم».
فمن هذه الأحاديث يتبين أن الخمس من حق الإمام يتصرف به كيف يشاء، ويجعله في مصالح المؤمنين وأن ذكر هذه الأصناف في الآية إنما هو على سبيل (التمثيل) لا على سبيل (التمليك) إذ لو كان ملكاً واستحقاقاً لهم لما جعله الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان في غيرهم وهذا الرأي للماليكة سديد ووجيه.
الحكم الثالث: كيف توزع الغنائم؟
ظاهر الآية يدل على أن توزيع الغنيمة يكون بين المحاربين على السوية، من دون تفضيل أو زيادة أو نقص، وقد وردت السنة النبوية تشير إلى التفضيل، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم: «جعل للفارس سهمين وللراجل سهماً» وفي (البخاري) عن ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهماً».
ورأي الجمهور من العلماء أن يعطى الفارسُ سهمين ويُعطى الراجلُ سهماً واحداً وذلك لأن الذي يركب الفرس يحتاج إلى نفقةٍ لفرسه ويكون بلاؤه في الحرب أعظم ولذلك فإن الشارع الحكيم راعى هذه الناحية فزاده في القسمة فأعطى سهماً له وسهماً لفرسه.
الحكم الرابع: هل الآية هذه ناسخة للآية السابقة؟
يذهب بضع العلاء إلى أن هذه الآية ناسخة لأول السورة لأن الآية الأولى ذكرت أن الأنفال لله والرسول. وهذه الآية بينت أنّ للغانمين أربعة أخماس الغنيمة فتكون هذه الآية ناسخة لتلك، والصحيح أنه لا نسخ كما وضحنا ذلك في السابق والله أعلم.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولاً- التشريع لله سبحانه وليس لأحدٍ أن يشرّع من تلقاء نفسه.
ثانياً- الخمس يصرف في سبيل الله وفي المصارف التي أشارت إليها الآية الكريمة.
ثالثاً: الغنائم توزع بين المجاهدين حسب ما شرع الله وفصله الرسول صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: على المؤمن أن يمتثل أمر الله ويطيع رسوله في كل شؤون الحياة.
خامساً: يوم بدر هو يوم الفرقان الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل وبين الكفر والإيمان.

.سورة التوبة:

.تفسير الآيات (17- 18):

{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)}
9- سورة التوبة:
[1] عمارة المساجد:

.التحليل اللفظي:

{أَن يَعْمُرُواْ}: عمارة المسجد تطلق على بنائه وإصلاحه، وتطلق على لزومه والإقامة فيه لعبادة الله، فالعمارة قسمان: حسيّة ومعنوية، وكلاهما مراد في الآية.
{شَاهِدِينَ}: أي مقرين ومعترفين به، وذلك بإظهار آثار الشرك والوثنية.
{حَبِطَتْ}: ضاعت وذهب ثوابها.
{وَأَقَامَ الصلاة}: إقامة الصلاة: الإتيان بها على الوجه الأكمل، معتدلة مقوّمة بسائر شروطها وأركانها.
{وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الله}: أي لم يخف إلا الله، والخشية في اللغة معناها الخوف.

.المعنى الإجمالي:

يقول الله جل ثناؤه ما معناه: لا ينبغي للمشركين ولا يليق بهم، وليس من شأنهم أن يعمروا بيوت الله، وهم في حالة الكفر والإشراك بالله، لأن عمارة المساجد تقتضي الإيمان بالله والحبّ له، وهؤلاء كفروا بالله شهدت بذلك أقوالهم وأفعالهم، فكيف يليق بهم أن يعمروا بيوت الله!!
هؤلاء المشركون ضاعت أعمالهم وذهب ثوابها، وهم في جهنم مخلّدون في العذاب، لا يخرجون من النار، ولا يخفف عنهم من عذابها بسبب الكفر والإشراك.
ثم أخبر تعالى أنّ عمارة المساجد إنما تحصل من المؤمنين بالله، المطيعين له، المصدّقين باليوم الآخر، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويخشون الله حق خشيته، فهؤلاء المتقون لله جديرون بعمارة بيوت الله، وهم أهل لأن يكونوا من المهتدين، الفائزين بسعادة الدارين، المستحقين لرضوان الله.

.سبب النزول:

روي أن جماعة من رؤساء قريش أُسروا يوم بدر فيهم العباس بن عبد المطلب، فأقبل عليهم نفر من أصحار رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيّروهم بالشرك، وجعل علي بن أبي طالب يوبّخُ العباس بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقطيعة الرحم، فقال العباس: تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ فقالوا: وهل لكم من محاسن؟ قالوا: نعم، إنّا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني فنزلت: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله} الآية.

.وجوه القراءات:

1- قرأ الجمهور: {أَن يَعْمُرُواْ} وقرأ ابن السميقع (أن يُعْمِروا) بضم الياء وكسر الميم من (أعمر) الرباعي بمعنى أن يعينوا على عمارته.
2- قرأ الجمهور: {مَسَاجِدَ الله} بالجمع وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (مسجد الله) بالإفراد.

.وجوه الإعراب:

1- قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ} أن المصدرية وما بعدها في موضع رفع اسم كان و(للمشركين) خبرها مقدم، و(شاهدين) حال من الواو في (يعمروا).
2- قوله تعالى: {فعسى أولئك أَن يَكُونُواْ مِنَ المهتدين} عسى من أخوات (كان) وجملة (أن يكونوا) خبرها، واسم الإشارة اسمها، والخبر يكون فعلاً مضارعاً في الغالب كما قال ابن مالك:
ككان كاد وعسى لكنْ ندر ** غير مضارع لهذين خَبَرْ

.وجه المناسبة بين الآيات الكريمة:

مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر البراءة من المشركين، وأنواعاً من قبائحهم وجرائمهم التي توجب البراءة منهم، ذكروا أنهم موصوفون بصفات حميدة تعلي مقامهم وترفع مكانتهم، منها سقايتهم للحاج وعمارتهم للمسجد الحرام فردّ الله عليهم بهذه الآيات الكريمة.